أكد رئيس حركة الاستقلال ميشال معوّض أن طريق الانزلاق الى الفتنة سهلة لكنها ستطحن الجميع وتطحن لبنان ولا أحد يخرج منها منتصراً. مشددا على أن لا حل لما نمرّ به خارج العودة الى العقل والى ثوابت الميثاق الوطني، العودة الى الدستور والى الدولة، مضيفاً أن “المطلوب ألا يتحول لبنان التعددي والديمقراطي الذي نعرفه ونريد العيش في ظله، ضحية لتجار الدم والانفجارات والرسائل الإقليمية، لأننا جميعا ندرك أن الهيكل سيقع عندها على رؤوس الجميع وسنكون كلنا ضحايا وينهار البلد”.
ولفت معوّض الى استهداف استهداف طرابلس لم يبدأ بالأمس، بل بدأ منذ تهديد سماحة المفتي مالك الشعار ومنذ تُركت طرابلس لقدرها المفتوح على جبهات داخلها في غياب الدولة.
وسأل: “لو التزمنا بكل مقررات طاولة الحوار من المحكمة الدولية الى السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ووصولاً الى “اعلان بعبدا” ألم نكن وفرنا على وطننا كوارث كثيرة؟”
كلام معوّض جاء خلال جولة له على رأس وفد من “حركة الاستقلال” ضم النائب السابق جواد بولس وعددا من كوادر الحركة في طرابلس على مختلف قياداتها، وحيث أجرى اتصالين بكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي اللذين صودف وجودهما خارج المدينة لارتباطات سابقة.
معوّض الذي اختتم زيارته من منزل اللواء ريفي قال: “زيارتنا للواء ريفي هي زيارة أخ وصديق وشريك. لقد صُدمتُ بعدما شاهدت الفاجعة التي اصابت منزله. ولكن هذه الزيارة في الأساس والأهم هي لشريك نؤمن واياه بقضية واحدة قضية هي الاعتدال، قضية العيش المشترك الاسلامي – المسيحي ، قضية اسمها طرابلس التعددية والمنفتحة وعاصمة الشمال، قضية اسمها الدولة اللبنانية الدولة الواحدة التي لا تحمل ازدواجية سلاح، ولا تحمل تفريغها. نحن اليوم امام مفترق خطير، وامام مسؤولية كبيرة جداً. ولذلك يجب ان نخرج من سياسة النكايات وسياسة المحاور. اسهل طريق هي طريق الانزلاق نحو الفتنة وطريق السيارات المفخخة، ولكن الى اين توصلنا هذه الطريق؟ لا احد منا سيخرج رابحاً، وهذه الطريق تطحننا كلنا وتطحن لبنان. وما حصل يؤكد ان التدخل في شؤون الغير لا يحمي لبنان ولا يحمي احداً في لبنان. والامن الذاتي لا يحمي لبنان ولا يحمي احداً في لبنان، ولا تفريغ الدولة من دورها يحمي لبنان. الحل الوحيد هو العودة الى العقل والى ثوابت الميثاق الوطني، العودة الى الدستور والى الدولة. هذه الثوابت هي التي تجمعنا باللواء ريفي، وأؤكد أن ما حصل في طرابلس كما في الضاحية يجب أن يشدّ من عزيمتنا على التمسك بهذه الثوابت لأنه هو الحل الوحيد لكل اللبنانيين، وأي حل خارج هذه الثوابت سيكون بمثابة الانتحار”.
وردّ ريفي بكلمة قال فيها: “سررنا اليوم بكثيراً بهذه الزيارة العزيزة على قلبي كطرابلسي وكلبناني، ففي النهاية نحن واحد تحت اطار العلم اللبناني فقط، ومع الدولة اللبنانية فقط لا غير. ونحن ضد كل الدعوات التي صدرت من أناس لا يمثلون طرابلس حول الامن الذاتي، وهذه دعوات مرفوضة كليا لأنه علينا ان نكون تحت الراية اللبنانية فقط لا غير. شعارنا لا إمارة ولا أمن ذاتي ولا أقاليم، فنحن أبناء دولة واحدة وسنبقى في دولة واحدة”.
وأضاف ريفي: “أنا كطرابلس أنتمي الى الشمال وعاصمته طرابلس، قضيت جزءًا كبيراً من طفولتي في زغرتا، وأنا وحريص على العلاقة الطرابلسية- الزغرتاوية. من لا يعرف فليراجع التاريخ، لأننا لن نفرّط بهذه العلاقة ونحن فخورون بها، وفخورون بالتعايش الاسلامي- المسيحي والتعايش السني- الشيعي، ونعتبر أن مجزرة طرابلس كما مجزرة الضاحية الجنوبية أيام سود في تاريخنا. لذلك نقف اليوم في ساعات التفكير والوحدة لاتخاذ القرار المسؤول لاخراج البلد من هذا الاتون الذي سيحرق الكل.
من جهته قال بولس إنه عندما تم استهداف الأبرياء لم يسألهم أحد عن هويتهم السياسية. وهؤلاء لم يستهدفوا من اجل هوية معينة او طائفة معينة ولا لانهم ابناء منطقة معينة. الاستهداف الذي حصل هو استهداف للانسان في لبنان. ولا يمكننا مواجهة هذا المنطق والعقل المريض الذي يتاجر ببدماء الناس، الا بالعودة الى منطق الدولة. والدولة وحدها هي القادرة على حماية كل المواطنين. ولذلك سنستمر بنضالنا في اتجاه بناء الدولة القادرة على حماية الجميع”.
في دار الإفتاء
وكان معوّض استهلّ جولته بزيارة دار الإفتاء حيث كان في استقبال الوفد امين دار الفتوى سماحة الشيخ محمد إمام ورئيس القسم الديني الشيخ فراس بلوط وعدد من المشايخ إضافة الى رئيس بلدية طرابلس الدكتور نادر الغزال. ورحّب الشيخ إمام بوفد “حركة الاستقلال” منوّها بالخطوة التي تؤكد على أهمية العيش والمشترك وعلى العلاقات الوطيدة بين طرابلس وزغرتا- الزاوية.
بعد الزيارة كان لمعوّض كلمة جاء فيها: “وجودنا اليوم مع رفاقنا في حركة الاستقلال هو للتأكيد كأهل زغرتا الزاوية ان ما يصيب طرابلس وأهلها يصيبنا ويصيب الشمال ككل. فنحن هكذا تربينا وهكذا عشنا، وهكذا نريد أن نكمل مشوارنا.
ان المستهدف بالانفجارين اللذين وقعا في طرابلس ليس فقط المساجد ولا الشهداء الذين تم اغتيالهم بوحشية، ولا الجرحى الذين نأمل لهم الشفاء العاجل، إنما المستهدف هو هوية طرابلس والشمال التعددية. وردنا الوحيد على ما جرى هو التأكيد على وحدتنا وعيشنا المشترك وعلى هذه الهوية التعددية المنفتحة لطرابلس ولكل الشمال”.
أضاف معوض: “مع شكرنا لسماحة الشيخ إمام على استقباله لنا في هذه الدار، كما لرئيس بلدية طرابلس على وجوده معنا، ومع محبتنا لكل الموجودين الا أننا كنا نتمنى لو استقبلنا هنا سماحة المفتي الشيخ مالك الشعار. فحين يكون مفتي طرابلس، مفتي الاعتدال والقضية الوطنية، في المنفى القسري، فهذا يعني ان استهداف طرابلس ليس وليد الأمس بل ابتدأ منذ أشهر، ومنذ تُركت طرابلس لقدرها المفتوح على جبهات داخلها في غياب الدولة. فمن يريد الاعتدال لا يساهم في نفي مفتي الاعتدال. ومن يريد الاعتدال لا يساهم في نفي القوى المعتدلة في طرابلس ولبنان. من يريد محاربة التطرف عليه ان يدعم الدولة، لان مصادرة الدولة ومحاولة تحويلها مؤسسات تتعاطى سياسة الكيل بمكيالين ويكون فيها ابن ست وابن جارية يؤدي الى هدم الدولة.
من يريد محاربة التطرف عليه دعم الدولة اللبنانية التي تضم الجميع تحت سقفها.
وختم معوض: “هذه هي الرسالة التي اردنا تأكيدها كأبناء زغرتا- الزاوية. نحن مع الدولة ونحن وأهل طرابلس مع خيار الدولة، ونحن مع مع خيار طرابلس بتأييد الاعتدال والعيش المشترك. وما حصل، رغم الألم، سيشد من عزيمتنا للتأكيد على هذه الثوابت التي ربينا عليها والتي نريد العيش سوية على أساسها في طرابلس والشمال”.
القداس في كاتدرائية مار مارون
بعدها شارك معوّض في القداس الالهي في كاتدرائية مار مارون في طرابلس الذي ترأسه المونسنيو نبيه معوّض وحضره أيضا نقيب المحامين في طرابلس ميشال الخوري. وقال معوّض بعد القداس: “جئنا اليوم من اهدن مرورا بكل بلدات قرى قضاء زغرتا الزاوية حاملين باسمنا وباسم كل اهالي زغرتا الزاوية لطرابلس الجريحة ولاهل الطرابلس المسيحيين والمسلمين كل مشاعر التضامن والمحبة. ولفتني في ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي كلام شاب ماروني من طرابلس يقول فيه انه اذا كان المقصود قتل المصلين وهدم الجوامع فكنائسنا كلها مفتوحة للمصلين من اخواننا المسلمين. ان طرابلس ستبقى مدينة العيش الواحد بين المسيحيين والمسلمين. وانا كلبناني وكماروني وكزغرتاوي اريد ان اقول من كاتدرائية مار مارون ان من يستهدف اي مواطن لبناني ان في طرابلس او الضاحية او في اي منطقة من لبنان فهو يستهدفنا جميعنا. ومن يستهدف الجوامع في لبنان يكون يستهدف كنائسنا كما من يستهدف اي كنيسة فهو يستهدف كل جوامع لبنان.
ان خيار السيارات المفخخة هو خيار الجبناء وخيار الاعتدال هو خيار الاقوياء.
خيار ان يبيع الواحد نفسه لدولة خارجية وأن يتاجر بدم اللبنانيين هو خيار جبان، وخيار التمسك بلبنان والدولة اللبنانية هو خيار اللبنانيين الوطنيين الاحرار. وهذا هو خيار اهل طرابلس باكثريتهم الساحقة، خيار لبنان وخيار الاعتدال والعيش المشترك”.
في منزل كرامي
وبعد زيارته وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي في منزله قال معوّض: “زيارتنا اليوم الى الوزير كرامي هي زيارة أخ عزيز، فتاريخ بيت عبد الحميد كرامي هو جزء من تاريخ لبنان، وجزء من تاريخ بيتنا. وفي ذاكرتي الطفولية مع الوالد لم اذكر ان عينيه ادمعتا الا يوم استشهاد الرئيس رشيد كرامي”.
وأضاف: “قد يكون هناك اختلاف في المواقف أو المقاربات السياسية على بعض المواضيع، إنما هذا أمر طبيعي في دولة ديمقراطية فيها مؤسسات. ولبنان الذي نريده هو التعددي وليس القائم على حزب البعث. ولكن الاختلاف في الآراء شيء وما نشهده من انفجارات شيء آخر. لذلك فالمطلوب ألا يتحول لبنان التعددي والديمقراطي الذي نعرفه ونريد العيش في ظله، ضحية لتجار الدم والانفجارات والرسائل الإقليمية، لأننا جميعا ندرك أن الهيكل سيقع عندها على رؤوس الجميع وسنكون كلنا ضحايا وينهار البلد. فالقضية اليوم ليست قضية ١٤ او ٨ آذار بل قضية كيان لبنان وبقائه. يجب أن نعي الإخطار المحدقة بنا وأن ندرك حجم المشكلة وفظاعة الجريمة التي وقعت والتي أدت الى وقوع عدد كبير من الشهداء والجرحى، وقبلها بأسبوع أيضا فظاعة المشهد الذي شهدناه في الضاحية، لأنه إذا لم نتفق جميعا على توحيد الكلمة تحت سقف الدولة اللبنانية فقد يكون كل ذلك مجرد بداية. لا نريد تخويف احد انما علينا ان نكون على قدر المسؤولية.
ان هذه الزيارة الى الجانب العاطفي فيها هي للتأكيد على الثوابت التي يجب أن نتوحد حولها لمواجهة تجار الدم والسيارات المفخخة لمواجهة محاولة أخذ البلد الى فتنة”.
… والتقى كبّارة والجسر
ومن ثم انتقل معوّض الى منزل النائب محمد عبد اللطيف كبارة حيث أكد على ان طرابلس عاصمة الشمال وهي مرتبطة بكل المناطق وليست متروكة. وشدد على رفض منطق الأمن الذاتي وهو ما حصل بتوافق كل أطياف طرابلس السياسية والمدنية والروحية.
أما كبارة فشدد على رفض الأمن الذاتي رفضا كاملا من كافة الفعاليات في طرابلس من سياسيين ودينيين، وشكر للوفد الزيارة التي تشدد على أواصر الأخوة والمحبة والتضامن بين أبناء الشمال.
وتابع معوّض جولته فالتقى منسق تيار المستقبل في طرابلس النائب سمير الجسر، وقال بعد الزيارة: “التقيت الحلفاء في تيار المستقبل للعزاء بعد المأساة التي عاشتها طرابلس في المدة الاخيرة. والزيارة للتأكيد على أن الخيارات الاساسية التي اتخذها تيار المستقبل هي الشراكة المسيحية – الاسلامية ، الاعتدال والدولة الفعلية التي تطبق القانون على كل المواطنين من دون ازدواجية السلاح وقرار سيادي من خارجها لأن هذه الخيارات وحدها بامكانها انقاذ البلد.
لسنا في مرحلة تحميل المسؤوليات بل اننا في مرحلة لملمة جراحنا وجراح المدينة وفي مرحلة اعادة تأكيد دور الدولة وخيارنا في العيش المشترك وللاعتدال في الشمال وللعلاقة بين طرابلس كعاصمة الشمال وبين كل اقضية الشمال وبيننا كزغرتا – الزاوية”.
وأضاف: “هل لاحقنا قرارات طاولة الحوار من السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الى المحكمة الدولية وصولاً الى اعلان بعبدا؟ ألم يكن بامكاننا تحصين البلد من الكارثة التي نحن بها؟ هل عملنا على استراتيجية دفاعية تحت سقف الدولة وفي كنفها؟ ألم نكن منعنا أن يكشف لبنان لكل أنواع السلاح غير الشرعي والذي تحول سيارات مفخخة؟ هل لو التزمنا باعلان بعبدا وتحييد لبنان من هذا الصراع الدامي، الم يكن بامكاننا حماية بلدنا أكثر؟ كل اللبنانيين قلقين لأنه ليس هناك من حلول ، فالحل ليس بالامن الذاتي او التطرف انما خيار الدولة الذي أكدته طرابلس بكل تنوعها من خلال رفضها للأمن الذاتي”.
كما زار معوّض النائب السابق مصباح الأحدب والأستاذ أحمد الصفدي وتفقد الأضرار نتيجة الانفجار أمام مسجد السلام.
واختتم معوّض زيارته في منزل اللواء ريفي قبل أن ينتقل ليقدّم تعازيه لجميع الشهداء في العزاء الذي أقيم في معرض رشيد كرامي.