كتب ميشال معوّض:
11 عاماً على الزلزال الكبير: رفيق الحريري شهيداً بطنين من متفجرات الحاقدين الذين ظنّوا أنهم باغتيال الحريري ينهون نبض النزعة الاستقلالية وإرادة المقاومة للوصاية السورية. 14 شباط 2005 ولّد “انتفاضة الاستقلال”، وقاد اللبنانيين الى معجزة التوحّد في 14 آذار 2005. واللبنانيون بوحدتهم تمكنوا من تحقيق الحلم في 26 نيسان 2005: جيش الاحتلال السوري وأجهزة استخباراته خارج لبنان!
بعد 11 عاماً نخجل في هذه الذكرى المهيبة. فرّطنا بإنجازات كبيرة، أهمها وحدتنا وتماسكنا كلبنانيين، وكقوى عابرة للطوائف. تمكّنوا منّا ليس لقوتهم بقدر ما هو لضعفنا، وها نحن نكاد نعود الى المربع الأول، أي الى ما قبل الـ2005!
في الذكرى الـ11 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نستذكر لماذا اغتالوه كي لا ننسى:
ـ اغتالوه عندما اقتنع أنه من المستحيل فصل قرار الدولة في إدارة الاقتصاد والإنماء عن القرار السيادي. فلا يمكن الحديث عن نمو اقتصادي وزيادة فرص العمل وإنجاز البنى التحتية والتخطيط لمشاريع مستقبلية من دون الإمساك بالقرارات السيادية والأمنية، ومن دون وجود جيش واحد وسلاح واحد وسلطة واحدة تملك حصراً قرارات الحرب والسلم. والدولة الخاضعة للوصاية، أي وصاية، لن يمكنها أن تكون سيّدة على قراراتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ولا على قرارات السياسة الداخلية والخارجية والدفاعية والأمنية. وأيقن رفيق الحريري بالتالي أنه لا مفرّ من خوض معركة السيادة انطلاقاً من الشعار الذي رفعه قبيل اغتياله بأشهر قليلة: “لا يمكن أن يُحكم لبنان من دمشق”!
ـ اغتالوه عندما أيقن أن لا خلاص للبنان إلا بالشراكة المسيحية- الإسلامية الحقيقية، فأرسل ممثليه الى لقاءات البريستول ليمدّ يد الشراكة الوطنية الى لقاء “قرنة شهوان”، انطلاقاً من قاعدة الشراكة الحقيقية والندّية وليس من قاعدة التبعية.
ـ اغتالوه أيضاً لأنه يمثل صورة الاعتدال الإسلامي، وتحديداً أكثر الاعتدال السني، لأنه لا يمكن التجييش لتطرّف سني إلا بضرب الاعتدال، ولأن التطرّف الشيعي يحتاج عضوياً الى تطرّف سني ليبرّر وجوده.
بعد 11 عاماً على 14 شباط 2005، يتأكد لنا أننا خسرنا الكثير، لأننا قبلنا أن نفرّط بثلاثية مقدّسة شكّلت أسس تحالف قوى 14 آذار: السيادة والشراكة والعدالة.
فرّطنا بالسيادة يوم تقاعسنا في الإصرار على مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، فخضعنا لشروط “حزب الله” ومعادلاته الداخلية والإقليمية!
وفرّطنا بالشراكة في كل مرّة كان يعتبر أي طرف من أطراف 14 آذار أنه يحق له أن يقرر عن المجموعة، ووفق حساباته الفئوية، وعلى حساب لبنان. فالشراكة بين قوى 14 آذار لم تكن يوماً ترفاً إنما عنصر القوة والمناعة في وجه مشاريع محور الممانعة. ولم تكر سبحة خسارات قوى 14 آذار إلا عندما تفككت!
ونفرّط اليوم بالعدالة بعدم الضغط بكل قوانا لإحالة قضية ميشال سماحة إلى المجلس العدلي، حتى لا نشجّع استمرار الجريمة المنظمة وتصدير الإرهاب الأسدي الى لبنان.
اليوم، وبكل أسف، وفي الذكرى الـ11 لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نفتقد الرؤية والإرادة اللتان تصنعان المعجزات. نفتقد الذي “علّم وعمّر وحرّر”، وجعل حجم لبنان إقليمياً ودولياً بحجم اللاعبين الكبار، رغم وجود سلطة الوصاية، في حين أصبحنا بعد 11 عاماً خارج كل المعادلات الإقليمية والدولية!
ربّ قائل إننا لا نعرف قيمة الشخص إلا بعد أن نفقده… رفيق الحريري اشتقنالك.